كانت المحاكم هي الجهة الرسمية المنوطة التي تتعامل مع حجج الاستحكام للأراضي والملكيات الخاصة والسكنية والتجارية والزراعية وهي كل شيء للحقوق الشرعية والمالية والشخصية والطلاق والصلح والميراث ، وفيها رتل من الإجراءات عظيم ، تجعل من إصدار صك لأرض يمتد إلى عقد من الزمن قد يزيد أو ينقص قليلا بحسب التركة والإجراءات .

ورحلة هذا الصك تنتقل بين الوزارات والهيئات و الدوائر الحكومية التي تتنصل براءة من هذه القطعة السكنية أو الزراعية بأنها لا تمت إليها بصلة ولا مصلحة .

وصاحب هذه الأرض معلقة آماله يقظة في عمر السنين يقدم الوصال لهذه المحاكم زيارة برا وإحسانا فقد صارت من الذين لا يجب هجرهم فوق ثلاثة أيام وإلا علقت معاملته في الأدراج أو فوق الأرفف أو فقدت .

وبعض المعاملات قد تغير لونها وبان شحوبها وفقدت بريقها حزنا من غبار الدهر وتناثرت أوراقها وهي تدور بين الأدراج ولم يكتمل نصابها رابضة تنتظر الفرج والإفراج من الدائره التي يعين عليها قاض منقول من محكمة أخرى وقد تسلم المفاتيح وأول سؤال يبادره لكاتب الضبط كم من الصكوك لديكم أيها الأمين الذي طالت لحيته نسيانا وانهماكا في تدوين حروف الصكوك فتجده وقد تنهد وقال الله المستعان يا شيخ نحن في جهاد والمعاملات كثيره والذين قبلك توقفوا في إصدار الصكوك ، هز رأسه وقال نحن كالسابقين ، فتجد الدائرة يتعاقب عليها القضاة والصكوك يقلبها كاتب الضبط ذات اليمين وذات الشمال وهي في سبات عميق ومن خرج صكه وطاب حاله نحر بعير وصام ثلاثة أيام احتفالا وبهجة ومنهم من أكمل الإجراءات بعده ورثته وهو قد طوي عمره ورفعت صحيفته ،،

إجراءات فيها ازدواجية في العمل مابين المحاكم وبين كتابات العدل فقبل ولادة الصك تكون الرعاية في المحاكم الشرعية لحجج الاستحكام والأصول والمتداول بين البائع والمشتري أو الورثة فيما بينهم والشهود الذين لابد أن تزيد أعمارهم فوق عمر الأرض فقد قل عددهم ومن هو في هذا العمر قد نخرالتعب عظامه وجف لسانه ، ومابين النقض والتسجيل والإعلان والردود وفوقها مزاج القاضي الذي يبت في هذه الصكوك ويجتهد فيكون استخراج صك واحد أو اثنين في الشهر زادت أو نقصت ، فلديه جلسات عائلية وحقوقية وشخصية وجنائية وشرعية ومالية فقد ودع الابتسامة بعد تخرجه من الجامعة بشهرين وأصبحت الفظاظة والغلظة فيه سمة وعلامة في إصدار أحكامه فتجد صاحب الصك والشهود اذا جاء موعدهم كأنهم في ساعة مع منكر ونكير ، وإذا أجازه القاضي دخل إلى العناية الكتابية لدى كاتب الضبط وتكتب يدويا فتجد الصك قد دون فيه زمرة من الناس ويمتد طول بعضها إلى متر ومترين وهي مواثيق بشهود ثقات وحجج ورثها المالك من جده لويس الخامس عشر في حجة استحكام قد تغير لونها وهي إثبات لتركة بين الإخوان والأبناء وتجدها إثبات نسب وتاريخ وأصالة تكتب بمداد حبر قل في زمانه وخط قد جعل الارتعاش في حروفه طلاسم تحتاج إلى إمعان وبصيرة لقراءتها ومنها ما يتعذر قراءته . ولكن الزمان جار عليها فقد وهنت وضعفت وأصبحت ورقة لا تسمن ولا تغني من جوع.

وهذه المحاكم عندما يذهب الناس إليها مراجعين عن معاملاتهم وصكوكهم يجدون المعلومة ويرى معاملته ما هي نواقصها واين وصلت إجراءاتها ومتى موعدها فيكون قد اطمأن قلبه وسكن فؤاده وتعلم من هذه المحاكم الصبر وهذا من الحلم أن تتعلم الصبر والإنصات فالإجراءات على الجميع والموت مع الجماعة رحمة ، وهكذا كان حال الناس حتى صدر الأمر السامي عام ١٤٤٢ بأن جميع الأوراق التي صدرت صكوكها ولم تسلم إلى أصحابها أو لم تميز أو التي تحت الإجراء أو من لديه أرض لها أوراق رسمية تحت الإجراء في المحاكم توقف فورا بموجب هذا الأمر السامي وأصبح الناس في ثج وعج مابين ما تكتبه وتنطق به وسائل الإعلام والموظفين في المحاكم وكتابات العدل واشتراطات هذه المنصه ، ماذا هم فاعلون وبدأت الأخبار تتداول لهذا القرار فالمحاكم قد تنفس كتاب الضبط فيها من عناء وتعب وملفات ناقصة وأوراق ضائعة وشهود متضاربين في الأقوال .

واستحدثت المنصة التي استقت اسمها من المحاكم فكانت إحكام . وأصدرت منصة إحكام حكمها على كل من لديه أرض زراعية أو تجارية أو سكنية عليه المبادره في التسجيل في منصتها وألحق قرار على الأمر السامي بأن هناك مدة أقصاها حولا كاملا فمن تعجل في يومين فلا تثريب عليه ومن زاغ عن هذا التاريخ هلكت أرضه وعليه فدية وحسرة وندامة طول حياته وبدات الجموع نحو المكاتب الهندسية فقد فتح الله عليهم باب رزق عظيم وتفنن المهندسون بأجهزتهم وآلاتهم وإحداثياتهم وارقامهم والأقمار الصناعية تتمايل وزن وضبط والناس في غمرة الرفع والدفع فرحون حتى اكتمل الحول وزادتهم إحكام حولا آخر . وبدأ الانتظار والترقب لهذه المنصة والمعاملات تحت الإجراء وتدور مابين اللجان لهذا المالك وهو يقظ يترقب الإعلام و الرسائل وكلما همس الشيطان في أذنك من أضغاث هذه الأحلام هرولت إلى جوالك و الاتصال بمفسري هذه الإجراءات و هذه اللجان في منصة إحكام ومتى تصدر أحكامها فيكون الرد من الموظف بأنه لا يعلم ومضت السنة الثالثة واصبحت المنصة لديها مكاتب وعندما تذهب إلى هيئتهم لتبث شكواك وحزنك بين أيديهم على هذه القطعة التي ورثتها من أجدادك يرد عليك الموظف بكل برود بأن عليك الذهاب إلى الأمر السامي فليس لديه أي علم ولا يعلم شيئاً يخرج المراجع من مكاتبهم وقد زاد ضغطه حيرة وتعجب !.

لماذا أيتها المنصة أن يكون غيابك دهرا بدون مواساة لمثل هذه الإجراءات ولو برسالة اطمئنان منكم بحال المعاملات وأنها في إجرائها الصحيح وأن الفرج قريب .

هناك من يريد أن يرهن أرضه ليقيم بيته ويسكن أولاده وهناك من يريد أن يبيعها ليأكل ثمنها ويعيش في هناء وسعادة وهناك أرامل ينتظرون حصصهم ليفرحوا بها وهناك من أقام بيته ويريد أن ينعم بالخدمات من ماء وكهرباء ويأوي إلى فراشه.